Wednesday, June 16, 2010

الآثار الاقتصادية والاجتماعية للزكاة

من أهم وظائف الدولة إدارة المالية العامة ممثلة بتحصيل الإيرادات العامة وإنفاقها على المصالح العامة، ثم الإشراف على الاقتصاد القومى بما يحقق التقدم الاقتصادى والأمان والتماسك الاجتماعى، والزكاة تعتبر من أهم الأدوات المالية التى تساعد على تحقيق ذلك، وتستند هذه الأهمية إلى كون الزكاة عبادة مالية إلى جانب ما تحققه من فوائد اقتصادية واجتماعية والتى نحاول أن نتعرف عليها فى الآتى

أولاً: الجوانب الدينية للزكاة: وتستند إلى ما يلى

أ ) إن الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة التى لابد للمسلم من أدائها لقول الرسول
بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله ألا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا
كما أنها العبادة التى ذكرها الله تعالى مقترنة بالصلاة فى القرآن الكريم والصلاة تعتبر عماد الدين كما قال الرسول حيث ورد الأمر بإيتاء الزكاة والحث عليها فى القرآن 32 مرة منها 26 مرة مقترنة بالصلاة
ب) إن التزام المسلم بأداء الزكاة يعود عليه بنماء ماله وزيادته فى الدنيا لقولـه تعالى
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
إلى جانب الأجر العظيم فى الآخرة لقولـه تعالى
وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا

جـ) إن عدم أداء الزكاة يوجب العقوبة الإلهية دنيا وأخرى على المسلم غير المؤدى للزكاة وعلى المجتمع الذى لا تؤدى فيه، فيقول الله تعالى
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
حيث يقول القرطبى فى تفسير هذه الآية إن البخل بالمال وعدم إنفاقه فى سبيل الله وأداء الزكاة المفروضة - سَيُطَوَّقُونَ مَا - أى ستحملون عقاب ما بخلوا به، ويقول الرسول
ما تلف مال فى أو بحر إلا بحبس الزكاة
والتلف يكون ينزع البركة منه أو الخسارة فى التجارة والسرقة أو الحريق أو تسليط ظالم عليه كما يقول الرسول فى العقوبة الجماعية
ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين أى القحط والمجاعة

د) الزكاة حق الله مالك المال الأصلى والرازق به وحق الله فى التصور الإسلامي هو حق المجتمع يضعه الإنسان حيث أمر الله صاحب المال. ولذا يقول الله عز وجل
وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ , لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ

هـ) يجب على المسلم الالتزام فى الزكاة بالأحكام الشرعية سواء من حيث أنواع الأموال الخاضعة للزكاة أو نطاقها أو بلوغها النصاب أو مقدار الزكاة فيها أو إنفاقها فى وقتها للأصناف الذين حددهم الله سبحانه وتعالى فى القرآن، وإن خالف ذلك لم يكن ما أخرجه زكاة بل صدقة تطوعية وتبقى الزكاة فى ذمته

و) المسلم مكلف شخصياً بأداء الزكاة والدولة ملزمة بإدارتها تحصيلاً وإنفاقاً، وإن لم تقم الدولة بذلك فإن التكليف باقٍ فى ذمة المسلم ولا يحتج بأن الدولة لم تطالبه بها لأنه مطالب بها من قبل رب العزة، كما لا يجوز للمسلم التعلل بأنه يدفع ضرائب للدولة فمع أن الضرائب جائزة شرعاً فإنها لا تغنى عن الزكاة لأن الضرائب تنفق فى أغراض خلاف أغراض الزكاة، وإذا كانت الزكاة مفروضة من الله والضرائب مفروضة من الدولة فإن فرض الله أحق وأولى بالأداء
ثانياً: الآثار الاقتصادية للزكاة: تسعى كل النظم الاقتصادية إلى تحقيق الكفاءة والعدالة من خلال حسن تخصيص الموارد وتشغيل كل الطاقات فى المجتمع واستثمارها فى الإنتاج ثم عدالة توزيع الدخل والثروة بين أفراد المجتمع، وهذا ما تساهم فيه الزكاة إلى حد كبير كما يتضح من الآتى

أ ) أثر الزكاة على الطلب الكلى فى المجتمع: من المعروف أنه كلما زاد الطلب زاد الإنتاج تبعاً وفى ظل مجتمع يتزايد فيها عدد الفقراء والمحتاجين الذين ليس لديهم قوة شرائية فإن الطلب ينخفض، فإذا جاءت الزكاة ووفرت لهم دخلاً مناسباً فإنه تصبح لديهم قوة شرائية يدخلون بها السوق وبالتالى يزداد الطلب، أما لو لم توجد الزكاة فإن المال سيظل فى أيدى الأغنياء الذين لا يوجهونه كله للإنفاق لأنه كما يقول الاقتصاديون (الميل الحدى للادخار لدى الأغنياء أكبر من الميل إلى الاستهلاك) وحيث أن عدد الأغنياء فى العادة يكون قليلاً فى المجتمع إذا سيقل الطلب الكلى، أما عدد الفقراء فهو أكبر بكثير من الأغنياء وبالتالى سيتوجهون بكل ما يحصلون عليه من دخل من الزكاة إلى السوق فيزداد الطلب الكلى فى المجتمع
ب) أثر الزكاة على الاستثمار والإنتاج: بزيادة الطلب الكلى نتيجة الزكاة التى حصل عليها الفقراء سوف يزيد الطلب مما يؤدى إلى زيادة الإنتاج وبالتالى يزيد الطلب على الاستثمار، ومن وجه آخر فإن المسلم مطالب بتشغيل أمواله وعدم إبقائها عاطلة حتى لا تتناقص بما يخرج منها زكاة كما جاء فى توجيه الرسول للأوصياء - اتجروا فى مال اليتيم حتى لا تأكله الزكاة

جـ) أثر الزكاة على حسن تخصيص الموارد فى المجتمع: إن الموارد فى أى مجتمع نادرة بالنسبة لأوجه استخدامها المتعددة وكلما تم تخصيصها لإنتاج السلع والخدمات التى تفيد أكبر عدد ممكن من المجتمع وتشبع الحاجات الضرورية كلما دل ذلك على حسن تخصيص الموارد، وعادة ما يتجه المنتجون إلى تخصيص الموارد للأنشطة التى تحقق لهم أقصى ربح ممكن وهى الأنشطة التى عليها طلب كبير فى السوق، فإذا تم أداء الزكاة والتى توجه إلى العدد الكبير فى المجتمع الفقراء فسوف توجد لديهم قوة شرائية يمكنهم بها من شراء ما يحتاجون من سلع وخدمات وعادة ما تكون ضرورية مثـل الغذاء والكساء وبالتالى يتم توجيه الموارد لإنتاج هذه السلع الضرورية والتى تخدم أكبر قطاع فى المجتمع بما يعنى حسن تخصيص الموارد، أما لو لم تخرج الزكاة فإن الموارد ستتوجه إلى إنتاج السلع المطلوبة للأغنياء وهى فى العادة سلعاً كمالية لا يستفيد منها سوى عدد قليل من أفراد المجتمع بما يعنى سوء تخصيص الموارد المتاحة فى المجتمع

د) أثر الزكاة على العمالة: استمراراً للتحليل السابق فإن زيادة الطلب الكلى نتيجة الزكاة يؤدى إلى زيادة الإنتاج وبالتالى يزيد الطلب على العمالة، ومن وجه آخر فإنه من المقرر فى مصارف الزكاة تقديم الموارد للعاطلين لكى يعملوا حيث يقول الفقهاء
أما من يحسن حرفة لائقة لا تكفيه فيعطى - من الزكاة - ثمن آلة حرفته، ومن يحسن التجارة يعطى رأس مال يكفيه ربحه منه غالباً

و) أثر الزكاة على المالية العامة: إن الدولة يحكم مسئولياتها ملزمة بالإنفاق على الخدمات العامة ورعاية الطبقات الفقيرة وفى عالم اليوم لا تكفى الموارد العامة إلا بزيادة عجز الموازنة والتمويل الاضافى بالقروض وهنا تأتى الزكاة باعتبارها مشاركة شعبية موجهة للإنفاق العام لتخفف عن كاهل الموازنة العامة للدولة هذا الجانب الإنفاقى وبالتالى تساهم فى سد عجز الموازنة

ثالثاً: الآثار الاجتماعية للزكاة: تتميز الزكاة بأنها نظام إلهى ثابت لتوفير مصدر دخل مستمر للمحتاجين فى المجتمع والإنفاق على بعض الأغراض العامة وينتج عن ذلك عدة آثار اجتماعية يمكن ايجازها فيما يلى

أ ) تعمل الزكاة على علاج مشكلة الفقر الفردى حيث يصرف لمحدودى الدخل وهم الفقراء والمساكين ربع حصيلة الزكاة

ب ) يخصص سهم من الزكاة للغارمين الذى يستدينون لمصلحة عامة أو للاصلاح بين الناس ولا يستطيعون السداد، بما يدفع الأفراد ليكونوا إيجابيين فى الاهتمام بالمصالح العامة والقضاء على الخصومات

جـ) يخصص سهم من الزكاة لابن السبيل بما يشجع على السياحة بما لها من آثار اقتصادية ممثلة فى الإنفاق على السياحة، واجتماعية فى اكتساب الأفراد المعارف المختلفة

د ) يخصص جزء من الزكاة للمؤلفة قلوبهم بما يعمل على رعاية المنضمين حديثاً إلى المجتمع الإسلامى

هـ) يخصص سهم من الزكاة للإنفاق على توفير الأمن للمجتمع - سهم فى سبيل الله)

و) تعمل الزكاة على إعادة توزيع الدخل بين الأغنياء والفقراء وهذا التوزيع ليس منَّه من المزكى بل هو حق لآخذ الزكاة كما قال الله عز وجل - وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ - بما يحفظ لآخذ الزكاة كرامته، والزكاة بذلك تؤثر فى دخول كل أفراد المجتمع لأنه لابد من المجتمع الإسلامي من شخص يدفع الزكاة وشخص يأخذها. وبالتالى تؤثر الزكاة فى جميع الدخول والثروات وتعيد توزيعها بما يحقق العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعى
ز ) إن من شأن الزكاة أن تعمل على التماسك بين أفراد المجتمع على أساس من المحبة والتعاون والسماحة

ح ) تعمل الزكاة على تطهير النفوس من الشح وهو من مهلكات الأمم كما قال الرسول
وإياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم

ط ) تعمل الزكاة على تزكيه النفوس ودفع الهمم وتنمية النفوس وتعويدها على فعل الخير واكتساب العادات الحميدة التى لا تأتى إلا بالممارسة ومغالبة النفس عليها وأفضل أنواع العادات والخير ما كان فيه نفع الناس ببذل المال للآخرين كما قال الرسول
«خير الناس أنفعهم للناس»

ى ) تعمل الزكاة على تطهير المال لأن الكسب قلما يصفو من المخالفات الشرعية فتكون الصدقة تطهيراً لـه من هذه المخالفات خاصة فى التجارة كما قال الرسول
«يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة» أى طهروه

وهكذا نصل إلى أن الزكاة تشريع الإسلام وركنه نظام مالى غير مسبوق ولا ملحوق وأداه من أدوات المالية العامة التى تعمل على تحقيق التقدم الاقتصادى والعدالة الاجتماعية بما يعود على المجتمع كله بالخير والسعادة


والله الموفق

No comments:

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...