تعتبر الإعلانات إحدى الوظائف الهامة التى يعتمد عليها الاقتصاد المعاصر فى مجال تسويق السلع والخدمات وهو ما أقره الفقهاء المسلمون قديماً في اعتبار "النداء على المتاع" أى السلع من الأعمال التجارية، ولقد زادت أهمية الإعلانات الآن نظراً لاتساع الأسواق وزيادة السلع والخدمات وكثرة عدد البائعين وتطور وسائل الاتصال ممثلة في الجرائد والإذاعة المسموعة والمرئية وأخيراً الإنترنت، ويتحدد دور الإعلانات كما يقول الخبراء في أمرين: أولهما: تعريف المشترين بأنواع السلع وخصائصها، وثانياً: تحفيزهم على الشراء، ولذا فإن حقيقة الإعلانات أنها أسلوب إخباري تحفيزى من خلال توصيل رسائل عبر وسائل الاتصال المختلفة عن السلع والخدمات إلى مجموع المستهلكين أو المشترين، وإذا كان هذا هو الجانب النظرى للإعلان الذى يبرز أهميته وفائدته لكل من البائع والمشترى فإن الواقع كما يؤكد الخبراء والعلماء أن إعلانات اليوم تنطوى على مساوئ عديدة يمكن تلخيصها في: المبالغة والكذب والتضليل والخداع وذلك في الجانب الإخباري من الرسالة الإعلانية، ثم التركيز على الغرائز واستثارتها والعبث بالمشاعر في الجانب التحفيزى من الرسالة، وذلك كله لصالح المنتجين والبائعين، وبما يؤثر سلباً على المشترين بدفعهم نحو زيادة الإنفاق، وزيادة أسعار السلع بإضافة تكاليف الإعلان عليها، ثم التأثير على قيم المجتمع باستخدام أساليب فنية في الإعلان تعتمد على الجنس بصورة مباشرة، وإذا كان علماء التسويق ينددون بهذه المساوئ ويحذرون منها فإن الإعلانات مازالت تنطوى عليها، وهو ما يجب معه التذكير بأن هذه المساوئ والعيوب الإعلانية أمور نهت عنها الشريعة الإسلامية وأن مرتكبها سواء كان المعلن أو جهة الإعلان مسئول أمام اللَّه سبحانه وتعالى الرازق القادر، وفيما يلى نشير في إيجاز إلى الأحكام والتوجيهات الإسلامية التى تعمل على ترشيد الإعلانات والحد من مساوئها ومنها مايلى
أولاً: الدعوة إلى الصدق والأمانة في التجارة وكل أعمالها وذلك بالترغيب في نوال أعلى الدرجات كما جاء في قول الرسول
«التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين»
ثانياً: النهى عن ترويج السلعة بالحلف كذباً حيث عدَّ الرسول
المنفق - المروج - سلعته بالحلف كذباً ضمن ثلاثة الذين لا يكلمهم اللَّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم
ويمكن أن يقاس على الحلف كذباً كل أسلوب يتبعه البائع ويحتوى على تأكيدات غير صادقة للتغرير والتضليل بالمشترى مثلما يحدث الآن بتضمين الإعلان شهادات غير حقيقية من ذوى الخبرة والمكانة في المجتمع أو من بعض المستهلكين بالاتفاق مع البائع بتوافر خصائص معينة في السلعة وهى ليست بها، وهو ما يحدث أيضاً باستئجار بعض الفنانين ولاعبى كرة القدم ليعلنوا للناس عن مزايا للسلعة وأنهم تحققوا منها وهى مجرد شهادة زور بأجر
ثالثاً: مما نهى الرسول قوله «لا تناجشوا» من النَّجْش والذى يعرف فقهاً بأن يظهر الشخص أنه راغب في شراء السلعة بثمن معين ليس بقصد شرائها وإنما ليخدع غيره فيشتريها، فهذا ينطوى على الحيلة والخداع والتواطؤ بخلق حالة صورية من الطلب على السلعة، وهذا ما يحدث الآن في الأمثلة التى ذكرناها في الفقرة ثانياً، وما يتم أيضاً بالنشر في الإعلانات المرئية عن تزاحم العملاء على محلات التاجر للشراء رغم أن ذلك كله تمثيل
رابعاً: إن التركيز في الإعلانات على استثاره الغرائز باستخدام فتيات الإعلانات في صور مخلة وبحركات مثيرة يخالف قيم الإسلام وأحكامه
خامساً: إن التوسع في الإعلانات من حيث المساحة أو التكرار المستمر خاصة في الإعلان التذكيرى يكلف مبالغ كبيرة تضاف إلى ثمن السلعة ويدفعها المشترى الذى لا يستفيد بالجزء من الثمن الذى دفعه مقابل الإعلان وفي ذلك شبهة أكل أموال الناس بالباطل وهو محرم شرعاً
سادساً: إن أسلوب إعلانات اليوم يحاول أن يخلق طلباً على السلع من مشترين الكثير منهم ليس في حاجة إليها بما يعمل على تغيير أنماط الشراء والاستهلاك نحو ما يسمى بالاستهلاك الكبير، وفي ذلك دفع إلى التوسع في الإنفاق الذى قد يصل إلى حد الإسراف والتبذير، وإذا كان الشراء بالتقسيط فإنه يوقع الناس في دائرة الديون الخبيثة
هذه هى إعلانات اليوم في ميزان الإسلام، الذى وضع الضوابط لها في الصدق والأمانة، والعلاج لما يصاحبها من مساوئ وبالتالى فعلى المسلمين الالتزام بأحكام الإسلام وتوجيهاته من أجل أن يؤدى الإعلان دوره المطلوب في تنشيط التجارة ونظافة الأسواق
واللَّه ولى التوفيق
No comments:
Post a Comment